ما حكم الحلف بغير الله؟
مسائل متفرقة:
1- الحَلِف بالقرآن: يجوز الحلف بالله وبأسمائه وصفاته؛ وحيث إن القرآن كلام الله تعالى، وكلامه – سبحانه – صفة من صفاته العليَّة، فالحلف بالقرآن جائز بشرط أن يقصد فعلاً كونَ المحلوف به كلامَ الله، وليس الورَق أو المداد أو نحو ذلك.
2- الحلف بعهد الله: وهذا الحَلِف له احتمالان حسب النية؛ فإن كان يقصد به العهد الذي أخذه الله -تعالى- علينا فهو من كلام الله، فيجوز على هذا الاحتمال، وإن كان يقصد العهدَ الذي بينه وبين الله -تعالى- أي بعمَله مع الله، فلا يجوز.
3- الحلف بأيمان المسلمين: وهذا الحلف جائز؛ لأن أيمان المسلمين هي الحلف بالله أو أسمائه وصفاته، وما يحلف به المسلمون غير ذلك، فإنه محرَّم عليهم في أصل دينهم، فلا يصير حلفًا للمسلمين، فيخلص في أيمان المسلمين ما شرعه الله -تعالى- لهم.
4- قولهم في الحلف: والله العظيم ثلاثة: هذه الصورة من الحلف جائزة أيضًا؛ لأن معناها: أحلف بالله ثلاث مرات؛ “والله، والله، والله”.
5- من الشرك الأكبر نسبة علْم الغيب إلى الأنبياء والأولياء والكهّان والعرافين والمنجِّمين، واعتقاد أنهم يُصرِّفون الكون، وهذا شرك في الربوبية، فإذا أضاف إليه اللجوء إليهم ودعاءَهم ليَضرُّوا أو يَنفعوا، فقد زاد فيه شركًا في الألوهية؛ كمن أتى السَّحَرة والكُهَّان ليَسحروا له، أو يُخبروه عن مُستقبله.
6- حكم الصلاة في مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد دخول القبر فيه:
وهذه المسألة ناقشتُها قبل ذلك، وخلاصة ما فيها: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يُدفن داخل المسجد، وإنما دُفن بجواره؛ وذلك لحكمة: ألاَّ يقصِده الناس للصلاة عنده، وإنما يُصلُّون في المسجد أولاً، أما بعد اتساع المسجد، فأصبح القبر كأنه داخل فيه، فهذا أمر استثنائي؛ لأنه لا يمكن نقل المسجد، ولا يمكن نقل القبر – كما هو الواجب في أيِّ قبر آخَر – ثم إنه حتى بعد التوسعة لا تكون الصلاة للقبر إلا بالدخول في الحجرة والصلاة عنده، وهذا لا يقع؛ استجابةً لدعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((اللهم لا تجعلْ قبري وثنًا يُعْبَدُ)).
ومن الجهل العظيم أن الناس يعتقدون أن زيارة مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- يُقصد بها زيارة القبر، وأن فضل الصلاة فيه ترجع لوجود القبر، وذلك من الجهل العظيم، بل من اتخاذ القبور مساجد؛ لأن فضل الصلاة في مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- راجعة إلى فضل المسجد؛ وذلك لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أوصى بزيارته قبل وفاته، أي: قبل وجود القبر أصلاً، يقول الإمام مالك – رحمه الله -: أكرهُ أن يقول إنسان: زُرتُ قبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو زُرتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولكن زرتُ مسجد رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم.
وكان الأَولى أن يظل القبر خارج المسجد، ولكن لا أعلم خلافًا في الصلاة في المسجد كما هي الحال الآن، أما من صلى في مسجد آخَر بجوار مقابر غير قاصد للصلاة عندها، فهذا لا يضرُّ؛ لأنه مُنفصِل عنها، ولو أن إنسانًا دُفن في بيته لا تَحرُم الصلاة فيه، ولكن يَحرُم قصده للصلاة فيه، أو إحاطته بمسجد للصلاة فيه قصدًا للقبر، وروى أنس أنه كان يصلي في مسجد – مكان صلاة – فيه قبر، وهو لا يراه، فناداه عمر: القبرَ القبرَ، فتخطَّاه، حتى صار القبر خلفه، وأكمل صلاته.
7- في بيان حُكم تعظيم التماثيل والنُّصُب التذكارية: وقد تناولت هذه المسألة أيضًا، وخلاصة ما فيها: أن التماثيل جمع تمثال، وهو الصورة المجسّمة على شكل إنسان أو حيوان أو غيرهما مما فيه رُوح، والنَّصْب في الأصل: العلَم، وأحجار كان المشركون يَذبحون لإحياء ذِكرى زعيم أو مُعظَّم على صورهم.
ولقد حذَّر النبي -صلى الله عليه وسلم- من تصوير ذوات الأرواح، ولا سيما تصوير المعظَّمين من البشر بأي وسيلة تصوير، ونهى عن تعليق الصور على الجدران ونحوها، وعن نصب التماثيل – ومنها النُّصُب التذكارية – لأن ذلك وسيلة إلى الشرك؛ فإن أول شركٍ حدث في الأرض كان بسبب التصوير ونصْب الصُّوَر، وذلك عند قوم نوح، والقصة في صحيح البخاري، فكان مآل الأمر هو الشرك بسبب هذه الأنصاب التذكارية، فأشركوا بالله -تعالى- وعانَدوا رسله؛ مما سبَّب إهلاكهم بالطوفان، ومقْتَهم عند الله الرحيم الرحمن، وعند خلقِه أجمعين، وهذا يدل على خطورة التصوير ونصْب الصور؛ ولهذا لعَن النبي -صلى الله عليه وسلم- المصوِّرين، وأخبر أنهم أشد الناس عذابًا يوم القيامة، وأمر بطمْس الصور، وأخبر أن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه صورة؛ كل ذلك من أجْلِ مفاسدها، وشدَّة مخاطرها على الأمة في عقيدتها، وسواء كان هذا النصْب للصُّوَر والتماثيل في المجالس، أو الميادين، أو الحدائق، فإنه محرَّم شرعًا؛ لأنه وسيلة إلى الشرك وفساد العقيدة، وإذا كان الكفار اليوم يعملون هذا العمل لأنهم ليس لهم عقيدة يُحافظون عليها، فإنه لا يجوز للمسلمين أن يتشبهوا بهم ويُشاركوهم في هذا العمل؛ حفاظًا على عقيدتهم التي هي مصدر قوتهم وسعادتهم.
8- في بيان حكم الاستهزاء بالدين والاستهانة بحرماته: الاستهزاء بالدين ردَّة عن الإسلام، وخروج عن الدِّين بالكلية؛ قال -تعالى-: ﴿ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ﴾ [التوبة: 65، 66] هذه الآية تدلُّ على أن الاستهزاء بالله أو بالرسول أو بآيات الله كُفْرٌ، فمن استهزأ بواحد من هذه الأمور فهو مُستهزئ بجميعها، والذي حصَل من هؤلاء المنافقين – الذين هم سبب نزول هذه الآية – أنهم استهزؤوا بالرسول وصحابته؛ فنزلت الآية، فالاستهزاء بهذه الأمور مُتلازم؛ فالذين يَستخفِّون بتوحيد الله -تعالى- ويعظِّمون دعاء غيره من الأموات، وإذا أُمروا بالتوحيد، ونُهوا عن الشرك، استخفوا بذلك؛ كما قال -تعالى-: ﴿ وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا * إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا ﴾ [الفرقان: 41، 42]، فاستهزَؤوا بالرسول -صلى الله عليه وسلم- لَمَّا نهاهم عن الشرك، وما زال المشركون يَعيبون الأنبياء، ويَصِفونهم بالسفاهة والضلال والجنون إذا دعَوْهم إلى التوحيد؛ لِما في أنفسهم من تعظيم الشرك، وهكذا نجد مَن فيه شَبَهٌ منهم إذا رأى من يدعو إلى التوحيد استهزأ به وبدعوته؛ لِما عنده من الشرك، قال -تعالى-: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 165]، فمَن أحبَّ مَخلوقًا مثل ما يُحبُّ اللهَ، فهو مشرك، ويجب التفريق بين الحب في الله والحب مع الله كما سبق، فهؤلاء الذين اتَّخذوا القبور أوثانًا تجدهم يستهزئون بما هو من توحيد الله وعبادته، ويعظِّمون ما اتخذوه من دون الله شفعاء، ويحلف أحدهم اليمين الغموس كاذبًا، ولا يجترئ أن يحلف بشيخه كاذبًا، وكثيرٌ من طوائف متعدِّدة ترى أحدهم يرى أن استغاثته بالشيخ – إما عند قبره أو عند غير قبره – أنفعُ له من أن يدعوَ الله في المسجد عند السَّحَرِ! ويستهزئ بمَن يعدل عن طريقته إلى التوحيد، وكثير منهم يُخرِّبون المساجد، ويعمرون المَشاهد، فهل هذا إلا من استخفافهم بالله وآياته ورسوله، وتعظيمهم للشرك؟!
وهذا كثير وقوعه في القبوريِّين اليوم، فنسأل الله العفو والعافية، والتثبيت على الحق، وأن يتوفانا – سبحانه – على الإسلام والسنَّة.
والاستهزاء على نوعَين؛ أحدهما: الاستهزاء الصريح، كالذي نزلت الآية فيه، وهو قولهم: ما رأينا مثل قرَّائنا هؤلاء أرغب بطونًا، ولا أكذب ألسنًا، ولا أجبن عند اللقاء، أو نحو ذلك من أقوال المستهزئين؛ كقول بعضهم: دينكم هذا دين خامس، وقول الآخَر: دينكم أخرق، وقول الآخَر إذا رأى الآمِرين بالمعروف والناهين عن المنكر: جاءكم أهل الدِّين! من باب السخرية بهم، وما أشبه ذلك مما لا يُحصى إلا بكلفة، مما هو أعظم من قول الذين نزلت فيهم الآية.
والنوع الثاني: غير الصريح، وهو البحر الذي لا ساحل له، مثل الغمز بالعين، وإخراج اللسان، ومدِّ الشَّفَة، والغمز باليد عند تلاوة القرآنِ كتابِ الله أو سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- أو عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومثل هذا ما يقوله بعضهم: إن الإسلام لا يَصلُح للقرن العشرين، وإنما يَصلُح للقرون الوسطى، وأنه تأخُّر ورجعية، وأن فيه قسوةً ووحشيةً في عقوبات الحدود والتعازير، وأنه ظلَم المرأة حقوقها؛ حيث أباح الطلاق، وتعدُّد الزوجات، وقولهم: الحكم بالقوانين الوضعية أحسنُ للناس من الحكم بالإسلام، ويقولون في الذي يدعو إلى التوحيد ويُنكِر عبادة القبور والأضرحة: هذا متطرِّف، أو يريد أن يفرِّق جماعة المسلمين، أو هذا وهَّابي، أو مذهب خامس، وما أشبه هذه الأقوال التي كلُّها سبٌّ للدين وأهله، واستهزاءٌ بالعقيدة الصحيحة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ومن ذلك استهزاؤهم بمَن تمسَّك بسنَّةٍ من سنن الرسول -صلى الله عليه وسلم- فيقولون: “الدِّين ليس في الشَّعر”؛ استهزاءً بإعفاء اللحية، وما أشبه هذه الألفاظ الوقحة.
9- من ألوان الشرك: الغلوُّ في تعظيم الأنبياء والصالحين، والمبالغة في مدحهم، والطواف حول قبورهم، والسجود عندها، وطلب الحاجات منهم، واعتقاد أنهم أحياء في قبورهم؛ يُجيبون مَن دعاهم، ويملكون التصرُّف والتأثير، وغير ذلك مما يفعله العامة وأشباههم من المثقَّفين، قال شيخ الإسلام في ذلك في “الرسالة السنية”: “فكل هذا شرك وضلال يُستتاب صاحبُه، فإن تاب وإلا قتل”.
10- لبس الحلقة والخيط وتعليق التمائم ونحوها لرفع الضر والبلاء أو دفعه؛ لقوله -تعالى-: ﴿ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ ﴾ [الزمر: 38]، فهذه الآية وأمثالها تُبطل تعلُّق القلب بغير الله في جلب نفع أو دفع ضرٍّ، وأنه شرك بالله -تعالى- ويدخل في المنع كل ما يعلَّق لدفع ضر أو لجلب نفع، سواء كانت قلادة أو خرزة أو وتر أو تميمة أو غير ذلك؛ فعن عقبة بن عامر مرفوعًا: ((من تعلَّق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلَّق ودعة فلا ودع الله له))؛ كما روى أحمد والحاكم، وقوله: “من تعلَّق”؛ أي علَّقها مُتعلِّقًا بها قلبه في طلب خير أو دفع شر، وهذا جهل وضلال؛ إذ لا مانع ولا دافع إلا الله – تعالى.
11- التبرُّك بالأحجار والأشجار ونحوهما؛ فعن أبي واقد الليثي – رضي الله عنه – قال: خرجنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى حُنين، ونحن حدثاء عهد بكفر، وللمشركين سدرة يَعكفون عندها، ويَنوطون بها أسلحتهم، يقال لها: ذات أنواط، فمررْنا بسدرة، فقلنا: “يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط!”، فقال: ((الله أكبر! إنها السنَن؛ قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى: ﴿ اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ﴾ [الأعراف: 138]، لتركبُنَّ سَنَن من كان قبلكم))؛ والحديث رواه الترمذي وأحمد وابن أبي عاصم وعبدالرزاق، وحسَّنه الألباني.
فقوله: “سِدرَة”؛ أي: شجرة، والعكوف: هو الإقامة على الشيء في المكان، وقوله: “ينوطون بها أسلحتهم”؛ أي: يُعلِّقونها عليها للبركة، وفي هذا بيان أن عبادتهم لها كانت بالتعظيم والعكوف والتبرُّك، وبهذه الأمور الثلاثة عُبدت الأشجارُ والأحجار ونحوها.
ولما كان الاعتبار في الأحكام بالمعاني لا بالأسماء، جعَل النبي -صلى الله عليه وسلم- طلبهم كطلب بني إسرائيل، ولم يَلتفِت إلى كونهم سمَّوها ذات أنواط؛ فالمشرك مُشرك وإن سمَّى شِركه ما سماه، كمن يُسمِّي دعاء الأموات والذبح والنَّذر لهم ونحو ذلك تعظيمًا ومحبةً؛ فإن ذلك هو الشرك، وإن سمَّاه ما سماه، وقِسْ على ذلك، والله -تعالى- أعلى وأعلم.
بقلم/ محمود العشري