هذا ما تفعله الصدقة!
السؤال :
أنا أعمل في شركة ، ومديرها ظالم متكبر سيء الخلق ، فهل صحيح أن الصدقة تدفع الظلم ، وتُعين المظلوم على الظالم ، وتدفع بأسه ، وتُقلل أثر ظلمه عليه ، إذا تصدق بنية رفع الظلم عنه ؟ أرجو نصيحتي وإرشادي كيف أرفع الظلم عني؟
الجواب :
الحمد لله
أولا:
نسأل الله العظيم أن يزيل همّك وغّمك وأن يرزقنا وإياك وجميع المسلمين العفو والعافية في الدنيا والآخرة.
ثانيا:
إذا ضاقت الحياة بالمسلم بسبب ظلم واستبداد، فمن الوسائل النافعة في دفع هذا الظلم، الصدقة على المحتاجين ومن ضاقت بهم الحياة لقلة ذات اليد؛ لأن الجزاء من جنس العمل.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
” وقد تظاهر الشرع والقدر على أن الجزاء من جنس العمل ” انتهى، من “مفتاح دار السعادة” (1 / 195).
ومما يدلّ لهذا:
قول الله تعالى: ( هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ) الرحمن /60.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ … ) رواه مسلم (2699).
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ ) رواه الترمذي (1924) وقال: ” هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ “، ورواه أبو داود (4941)، وصححه الألباني في “سلسلة الأحاديث الصحيحة” (2 / 594).
ولذا كان جماعة من السلف يرون أن الصدقة تدفع الظلم.
روى البيهقي في “شعب الإيمان” (5 / 51 – 52)؛ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النخعي، قَالَ: ( كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ الرَّجُلَ المَظْلُومَ إِذَا تَصَدَّقَ بِشَيْءٍ ، دُفِعَ عَنْهُ ).
ثم على المسلم أن يتبع صدقاته ببث الشكوى إلى الله تعالى وطلب رحمته، ويتحرّى أوقات الإجابة، فيدعو ربه فيها أن يكشف عنه ظلم العباد ، ويدفع عنه . فإن التضرع إلى الله ، والالتجاء إليه ، والعياذ به ، سبحانه من شر الظالم وظلمه : من أعظم أسباب دفع الظلم عن العبد .
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ ، حينما أرسله إلى اليمن ، واليا عليها : ( … وَاتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ ) رواه البخاري (1496) ومسلم (19) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لَا شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ المَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ المُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ “. رواه الترمذي (1905) وغيره ، وحسنه الألباني .
بل كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ بالله من دعوة المظلوم : عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَرْجِسَ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَافَرَ يَتَعَوَّذُ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ، وَكَآبَةِ الْمُنْقَلَبِ، وَالْحَوْرِ بَعْدَ الْكَوْرِ، وَدَعْوَةِ الْمَظْلُومِ، وَسُوءِ الْمَنْظَرِ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ» . رواه مسلم (1343) .
وقد سبق في الفتوى رقم (22438) بيان الأوقات التي يرجى فيها إجابة الدعاء ؛ فعلى المظلوم أن يجتهد في الدعاء فيها.
كما على المسلم أن يلازم التقوى في أموره كلها، فيأتي بما أمره به الشرع بقدر استطاعته، ويجتنب ما نهى عنه؛ لأن التقوى جعلها الله تعالى مخرجا للمؤمن من كل ضيق وشدة.
قال الله تعالى:
( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ) الطلاق /2-3.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:
” فإن العبرة بعموم اللفظ، فكل من اتقى الله تعالى، ولازم مرضاة الله في جميع أحواله، فإن الله يثيبه في الدنيا والآخرة.
ومن جملة ثوابه أن يجعل له فرجًا ومخرجًا من كل شدة ومشقة، وكما أن من اتقى الله جعل له فرجًا ومخرجًا، فمن لم يتق الله، وقع في الشدائد والآصار والأغلال، التي لا يقدر على التخلص منها والخروج من تبعتها ” انتهى. “تفسير السعدي” (ص 870).
وعليك أن تسعي في دفع الظلم عنك ، أيضا ، بالوسائل المادية المتاحة لك ، فترفعي أمرك إلى مرجعيتك ومرجعية مديرك ، أو حتى ترفعي أمرك إلى القضاء العام في بلدك ؛ إن كان بإمكانك أن تصلي إلى هؤلاء ، أو هؤلاء ، ورجوت أن ينصفوك ، ويدفعوا عنك مظلمتك ، ولا ينالك ضرر زائد من جراء ذلك .
والله أعلم.