كيف تحدد القبلة من البوصلة؟
تُعرَف القِبلة في اللغة بأنَّها الجهة التي يَقصِدها الإنسانُ لأمرٍ معيَّن كالسّياحة والدِّراسة والسّفر وغيرها، وتُطلَقُ على ما يستقبله النَاس من جِهات، أمَّا قِبلة المُسلِم فهي وُجهته التي يستقبِلها إذا أرادَ الصَّلاة، أو الجهةُ التي جَمع الله عليها المسلمينَ إذا أرادوا الصَّلاة، وهي الكعبة المُشرَّفة.
أمّا في الاصطلاح فلفظ القبلة متعلّق باستقبال الكعبة المشرفة عند الصلاة، ودليل ذلك ما ورد في كتاب الله عز وجل: (قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ۚ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ)، وفيها قال عبد الله بن عمرو أنّ القبلة ميزاب الكعبة، وللشافعي فيها قولان: أولاهما أن المقصود إصابة عين القبلة، أمّا الثاني -وفيه رأي الأغلبية- إنّما هي مواجهة القبلة.
إنّ ما ورد في الآية الكريمة بشارةُ الله عزَّ وجلَّ لنبيِّه بتغيير اتّجاه القبلة عن المسجد الأقصى إلى الكعبة المُشرَّفة، وأمْرُه للمسلمينَ جميعاً باستقبال الكعبة من جميع أماكن الأرض واتجاهاتها ومواطنها؛ ذلك أنّ قبلة المسلمين الأولى كانت نحو المسجد الأقصى؛ حيثُ استمرّ المسلمون باستقبال المسجد الأقصى ستة عشر شهراً بعد هجرة الرسول إلى المدينة أو قيل سبعة عشر شهراً، ثمّ بعد ذلك نزلت الآية الكريمة لتُعلن تحويل اتجاه القبلة من المسجد الأقصى نحو الكعبة المشرفة، ومنذ ذلك الحين أصبحت الكعبة المشرَّفة مقصد المسلمين وقِبلتهم من شتَّى أصقاع الأرض، يستقبلونها عند أداء الصَّلاةِ، ونحر الذَّبائح، وتلاوة القرآن الكريم، ودفن الموتى، وغير ذلك الكثير من شعائر الإسلام مما يتطلَّب أداؤه استقبال القبلة.
كيف أعرف القبلة من البوصلة
لتحديد اتجاه القبلة من أيِّ مدينةٍ في بقاعِ الأرضِ المختلفة، فيمكنُ استخدام أحدَ أنواعِ البوصلاتِ الخاصَّةِ بتحديد القبلة، ومنها:
البوصلةُ المغناطيسيَّةُ العاديَّة: تُستَخدم في تحديد اتجاه القبلة وقد تكون أحياناً مزوَّدةً بإشارات خاصَّة تدلّ على اتجاه مكَّة المكرَّمة، وتتضمَّن بوصلة القبلة مؤشِّراً لأرقامٍ تمثِّل زاوية انحرافِ المؤشِّر نحو القبلة، وتُرفَق عادةً بدليل يضمّ جميعَ الأرقام الخاصَّة بانحرافِ المدنِ، ويمكن باستخدامها تحديد اتجاه القبلة باتّباع الخطوات الآتية:
- البحث عن فهرس المدينة المراد تحديد قبلتها، ومعرفة قيمة انحراف القبلة عن الشمال الحقيقي. وضع البوصلة في على سطحٍ مستوٍ بعيد عن تأثير الأدوات المعدنيَّة، وتركها حتَّى يستقرَّ مؤشِّرها نحو الشمال الحقيقي.
- تحريك البوصلة ببطء باتجاه عقارب الساعة أو عكسه حتَّى يتطابق المؤشّر مع القيمة الخاصَّة بالمدينة على الفهرس.
- عند تطابُق المؤشِّر مع القيمة؛ فإن المؤشر حينها سيشيرُ إلى اتجاه القبلة بالنسبة للمدينة المطلوبة.
البوصلة الإلكترونيَّة: تَتَّسِم هذه البوصلة بتوفُّرها في أجهزة الملاحة المختلفة، وفي تطبيقاتِ الأجهزة الذكيَّة والهواتف المحمولة، كما تتميَّز بسهولة استخدامها، وهيَ نموذجٌ مُطوَّرٌ عن البوصلاتِ التقليديَّة.
تركيب البوصلة وآلية عملها
يمكن تحديد القبلة باستخدام البوصلة بمعرفة الاتجاهات التي تُشير إليها الإبرة المغناطيسية المرتكزة في وسط البوصلة؛ إذ تُساعدُ هذه الأداة الملاحيَّة في التعرُّف إلى الاتجاهات وضبطِها نسبةً إلى الأقطاب المغناطيسيَّة للأرض. إنّ الشَّكل الدَّائري للبوصلة يتناسبُ ويتلاءم مع وظيفتها ومكوِّناتها البسيطة؛ إذ يتوضَّع في منتصف البوصلة مغناطيس حُرّ الحركة يُسمَّى بالإبرة المغناطيسيَّة، وأبرزُ ما يُميِّزُ هذه الإبرةُ قُدرَتها على التحرُّك حول محورها بحرّيّة تسمحُ لها بالانتقالِ والاستقرارِ عندَ جهةٍ معينةٍ استجابةً لتأثير المغناطيسيَّةِ الأرضيَّة؛ لِيستقرَّ مؤشِرها باتِّجاه الشمال المغناطيسيِّ على نحوٍ دائم، فيُمكنِ من خلالِ ذلك المؤشر تحديد الاتجاهات بيُسر وسهولة.
تدور الأرض حولَ محورها الذي يُشكّل طرفيه قُطبا الأرضِ الشَّمالي والجنوبي، ويَتَّصف القطبانِ بخصائص فيزيائيَّة طبيعيَّة تفسِّر ظواهر مهمَّةٍ كظاهرةِ المغناطيسيَّةِ التي تَجعلُ القطبان يَتجاذبان لاختلافِ نوعيهِما المغناطيسيين؛ حيثُ يستجيبُ مؤشِّر البوصلةُ المُسمَّى إبرةً مغناطيسيَّة والمصنوعِ عادةً من مغناطيسٍ خفيف الوزنِ للظاهرة المغناطيسية السابق ذكرها، ولكونِ الطبيعة المغناطيسيَّة الموجودة في جوف الأرض تمثِّل قطب الأرض الشمالي؛ فإنَّ الطرف الشمالي لإبرة البوصلة سيتّجه نجو الطرف الجنوبي للقضيب المغناطيسي المفترض داخل الأرض.
إنَّ القضيبِ المغناطيسي المفترض لا يوازي محور الأرض الدوراني بصورة تامَّة؛ إذ يميلُ عن مركزها ميلاً قليلاً فيما يُعرف بالانحراف المغناطيسي أو الميل الزّاوي، وبالتالي فإنَّ قراءات المواقع وإحداثيَّاتها ستختلف تبعاً لذلك الميل؛ لتؤثّر بذلك في اختلاف اتجاه المؤشّر من منطقة إلى أخرى.
تؤثِّرُ الإبرة المغناطيسيَّةُ في الاتجاهاتِ المغناطيسيَّةِ من الشَّمالِ إلى الجنوب، فيكونُ اتجاهها الدائمُ نحو الشَّمال المغناطيسي، وهذا سرُّ كتابة الحرف الإنجليزي N الذي يرمزُ إلى اتجاه الشمال (بالإنجليزيَّة: North) حيثُ اتجاهُ السَّهم الافتراضي، أمَّا انحرافُ البوصلةِ نحو الأرقام المختلفة الموزَّعة في محيط الإبرةِ؛ فإنَّه يُشير إلى درجةِ انحراف الاتِّجاهِ الذي يسلكه حامل البوصلةُ عن الشمال المغناطيسي، فلو كانَ مؤشِّرُ البوصلةِ متَّجهاً نحو الدرجة 90 مثلاً فإنَّ ذلكَ يعني انحرافَ مسارِ تلكَ البوصلةِ عن اتجاهِ الشَّمالِ المغناطيسي بزاويةٍ تبلُغ 90 درجة.
القبلة قديما
عُرف عن علماء المسلمين سابقاً اجتهادهم في تحديد القبلة بوسائل متعدِّدة ترجع إلى الخبرة المتوارثة في الفلك والنجوم، والمشهورُ في ذلك أنَّ الرَّسولَ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ كان يقصِدُ اتجاه الجنوبِ في صلاته عندما كان في المدينة أو عند سفره وترحاله، ثمَّ اعتمد المسلمون من بعده في بناءِ المساجِد وتشييد المحاريب اتّجاه الجنوب، وعُرفت بذلك مساجدُ المسلمين في مختلف مواقعها وبلدانِها، ثمَّ تحوَّل اهتمامُ المسلِمينَ في تحديدِ القبلةِ إلى الدقَّةِ المعتمدةِ على الإحداثيَّاتِ الرياضيَّةِ والجغرافيَّةِ ابتداءً من القرن الثامن الميلاديّ، ليصارَ إلى تعريف القبلة بأنَّها اتجاهُ مكة المحاذي للدائرة العُظمى للكرة الأرضيَّة، وفي أوائل القرن التاسع الميلاديّ بدأ المسلمون قياس الحسابات الفلكية لمكة المكرمة بهدف معرفة القبلة من بغداد، ثمَّ اجتهد المسلمون بعد ذلك في تحديد قبلة البلدان والمدن بالحسابات الفلكيَّة والرياضيَّة وتقسيم المناطق إلى مثلَّثات؛ حيثُ كانَت البوصلةُ أحد أهمّ الأدوات والأساليب التي اعتمدها المسلمون في تحديد اتجاه القبلة من مختلف البلدان.