ما هي ليلة القدر؟
من حكمةِ الله -عز وجل- وكرمه؛ أن فضّل أزماناً على أزمانٍ أخرى؛ ففضّل الله -تعالى- من الأشهر شهر رمضان المبارك، ومن الأيام أيام العشر الأُوَل من شهر ذي الحجة، ويوم عرفة، وجعل الله -سبحانه وتعالى- يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع، ومن هذا التفضيل أن اختار الله -سبحانه وتعالى- ليلة القدر لتكون أفضل أيام السّنة؛ فجعلها محطّ نزول القرآن الكريم على قلب النبي صلى الله عليه وسلم، وجعل لقيامها بالصلاة، والذكر، والدّعاء أجراً عظيماً، وفضلاً كبيراً، وهي مناسبة خير وموسم بركة يغتنمه المسلمون للمبادرة إلى التوبة النّصوح، والإكثار من الطاعات، والقربات، والاعتكاف، والصلوات، فما هي ليلة القدر، ولماذا سُمِّيتْ بهذا الاسم، وما فضلها ومكانتها، وأيُّ ليلةٍ هي من ليالي شهر رمضان الفضيل؟
تعريف ليلة القدر
ليلةُ القدر هي أفضل ليالي السّنة، تكون في شهر رمضان المبارك، وفيها أُنزِل القرآن الكريم، واختصّها الله -عز وجل- بسورة كاملة في كتابه العزيز باسمها؛ وهي سورة القدر، وبيّن أنّ أجر قيامها خيرٌ من طاعة ألف شهر، ولها خصائص وميّزات عن غيرها من الليالي بالفضل، والبركة، والأجر.[1]
سبب تسمية ليلة القدر بهذا الاسم
تعدّدت أراء العلماء في سبب تسمية ليلةِ القدر بهذا الاسم، ومن ذلك:[2]
إنّها ليلة تُقدَّر فيها آجال الخلق، وأرزاقهم، وأقدار الله -عز وجل- خيرها وشرّها.
إنّ اسمها مأخوذ من المكانة، والشرف، والشأن العظيم؛ فيُقال: فلان ذو قدْر؛ أي ذو شأن ومكانة.
إنّ العمل الصالح وطاعة المولى -سبحانه- في هذه الليلة المباركة، له قدر عظيم، ومنزلة كبيرة.
إنّها ليلة قدّر الله -تعالى- فيها نزول القرآن الكريم على قلب النبي صلّى الله عليه وسلّم.
إنّها ليلة الفصل والحكم، وهو الصحيح المشهور عند الإمام النوويّ.
مكانة ليلة القدر
لهذه الليلة العظيمة فضل عظيم، ومكانة جليلة، دلّت على ذلك كثير من المزايا والخصال التي نالتها هذه الليلة المباركة دون غيرها:[3]
جعْل الله -سبحانه وتعالى- هذه الليلة محطّاً لتنزّل القرآن الكريم، فقد جاء عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أنّ تنزُّل القرآن الكريم كان في هذه الليلة جملةً واحدةً، من اللوحِ المحفوظِ إلى بيتِ العزّةِ في السماءِ الدنيا، وقيل: بل إنّ مُبتدأ نزول القرآن الكريم على النبي -صلى الله عليه وسلم- كان في ليلةِ القدرِ.
إنّ المولى -سبحانه وتعالى- خصّها بالذكرِ في القرآن الكريم، وأفرد لها سورةً كاملةً، وبيّن أنّ أجر قيامها بالعبادة أكثر من أجرِ عبادةِ ألفِ شهرٍ، قال الله عزّ وجلّ: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ*وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ*لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ*تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ*سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ).[4]
أنّها ليلةُ سلام من شرِّ الشيطان وأذاه؛ إذ إنّ الشمس تُشرق كلَّ يوم بين قرني شيطان، باستثناءِ هذه الليلةِ المباركةِ.
تنزّل ملائكة الله -سبحانه وتعالى- في ليلة القدر ومعهم أمين الوحي جبريل عليه السلام، بالخير والبركة على الأرض.
إنّها ليلة مباركة في الأجرِ والثواب، فقد ثبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قوله: (مَن قام ليلةَ القدرِ إيماناً واحتساباً، غُفِرَ له ما تقدَّمَ من ذنبِه)،[5] ولا شكّ أنّ المسلم يحرص على اغتنام هذه الخيرات العظيمة والأجور الكبيرة؛ فيتحرّى ليلة القدر، ويُجهد نفسه فيها بالصّلاة والدّعاء، ويحذر من الغفلة.
وقت ليلة القدر
اختلفت آراء العلماء في تحديد ليلة القدر؛ تِبعاً لتعدّد الرّوايات وثبوتها حول وقتها، إلّا أنّ القَدَر المتفق عليه أنّها في شهر رمضان المبارك، وفي العشر الأواخر منه، والرّاجح أنّها في ليالي الوتر؛ أي الليالي الفرديّة، والأرجح أنّها تقع في ليلة السابع والعشرين؛[6] لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (من كان مُتحَرِّيها فليتَحرَّها في ليلةِ سبعٍ وعشرينَ)،[7] وثبت عن أبيّ بن كعب قوله: (واللهِ إنّي لأعلمُها، وأكثرُ علمي هي الليلةُ التي أمرَنا رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- بقيامِها، هي ليلةُ سبعٍ وعشرينَ).[8]
وذهبت بعض الآراء إلى أنّ ليلة القدر تنتقل بين الليالي في العشر الأواخر؛ فقد تكون مرّةً ليلة الحادي والعشرين، ومرّةً أخرى ليلة الثالث والعشرين، وهكذا، وجمع الحافظ بن حجر العسقلاني في شأن تحديدها أقوالاً كثيرةً، تُرَدّ في أغلبها إلى ما تمّ ذكره، ولا شكّ أنّ هناك حكمة إلهيّة من إخفائها، وعدم تحديدها على وجه القطع واليقين؛ وذلك حتى يُهيِّئ المسلم نفسه، ويحفّز همّته لقيامِ العشر الأوآخر كلّها؛ فيضمن التماسها، ويتحصّل له أجرها، وتمام فضلها.[6]
دُعاء ليلة القدر
روِي عن عائشة أمّ المؤمنين -رضي الله عنها- أنّها سألتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- عن الدّعاء في ليلة القدر؛ فأرشدها -عليه السلام- إلى أنْ تقول: (اللَّهمَّ إنَّكَ عفوٌّ تحبُّ العفوَ فاعفُ عنِّي)،[9] وفي هذا الدّعاء ثناء على الله -سبحانه وتعالى- بأسمائه الحسنى، واعتراف بأنّه -سبحانه- صاحب العفو، وفيه تذكير أنّ عباد الله يجتهدون بالطاعات والأعمال الصالحة، ثمّ لا يرون لأنفسهم فضلاً في سائرِ أعمالهم؛ فيسألون الله -عزّ وجلّ- العفو، كما يحمل هذا الدّعاء حُسنَ ظنّ العبد بربّه سبحانه، وحاجته وافتقاره إلى عفو الله -تعالى- ورحمته، وتؤكّد صيغة الدّعاء هذه إلى أنّ النبي -عليه السلام- كان يحبّ جوامع الدّعاء؛ فكان يدعو ربّه بكلماتٍ يسيرةٍ، لكنّها تحمل خيراً وطمعاً كبيراً، برحمة الله سبحانه وتعالى.[10]
المراجع
- ↑ أحمد عبد الرحمن (25-8-2011)، “فضائل ليلة القدر”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 30-11-2017. بتصرّف.
- ↑ محمد عبد الغني (20-7-2014)، “سبب تسمية ليلة القدر”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 30-11-2017. بتصرّف.
- ↑ ندا أبو أحمد (30-7-2013م)، “فضل ليلة القدر”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 30-11-2017. بتصرّف.
- ↑ سورة القدر، آية: 1-5.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1901، صحيح.
- ^ أ ب محمد المنجد، “لا يمكن لأحدٍ أن يجزم بليلة بعينها أنها ليلة القدر”، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 30 -11-2017م. بتصرّف.
- ↑ رواه أحمد شاكر، في مسند أحمد، عن عبد الله بن دينار، الصفحة أو الرقم: 9/183، إسناده صحيح.
- ↑ رواه الإمام مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي بن كعب، الصفحة أو الرقم: 762 ، صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح ابن ماجه، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 3119 ، صحيح.
- ↑ أحمد مكي، “وقفات تربوية مع دعاء ليلة القدر”، saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 30-11-2017. بتصرّف.