ما هو الحجر الاسود
يعدّ المسلمون الكعبة أشرف بناء، وأقدس البقاع، ودائماً ما تحنّ أنفسهم لزيارتها، وتتحرّك مشاعرهم نحوها، والكعبة هي البيت العتيق الذي رفعه خليل الله إبراهيم عليه السلام وابنه إسماعيل عليه السلام، قال تعالى: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ القَوَاعِدَ مِنَ البَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ)، فكان بذلك أول بيت للعبادة وضعه الله للناس على وجه الأرض، والكعبة ضاربة في التاريخ البشري بشكل عميق، فالمؤمنون يتوجهون إليها دائماً لا يملّون من ذلك ولا ينفكّون عن استقبالها، وقد باءت كل محاولات هدمها أو صرف الناس عنها بالفشل، وظلّت كما هي منذ زمن إبراهيم عليه السلام إلى حين نزول عيسى بن مريم عليهما السلام، وطوافه بها.
في بداية الإسلام ومطلعه كان المسلمون يتوجهون في صلاتهم نحو بيت المقدس، وظلّوا على ذلك إلى أن أنزل الله تعالى قوله: (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ)، وهكذا أصبحت الكعبة هي قبلة المسلمين منذ ذلك اليوم إلى حيننا هذا، ممّا زادها تشريفاً وتعظيماً، فالمسلمون في كل مكان في العالم يتوجّهون نحوها يومياً في كل صلاة من الصلوات المفروضة، بل أكثر من ذلك بكثير، ففي كل نافلة يصليها المسلم يتوجه إلى الكعبة أيضاً، وحتى في صلاة العيد وصلاة الكسوف وغيرها من الصلوات المسنونة يتوجّه المسلمون إلى الكعبة المشرفة، وبناءً على ذلك فقد بُنِيت مساجد المسلمين في العالم كلّه باتجاه الكعبة، وإذا ما ذهب المسلم إلى أي مكان فأهمّ ما يُسأَل عنه هو اتجاه الكعبة بالنسبة إليه.
الحجر الأسود
يعدّ الحجر الأسود في الإسلام أشرف حجر على وجه الأرض، وهو أيضاً أشرف معالم بيت الله الحرام والكعبة الشريفة، وموقعه إلى الشرق من الركن اليماني للكعبة، ويرتفع عن الأرض بمقدار متر ونصف، وقد مرّ على الحجر الأسود عدد كبير من الحوادث، أفظعها ما فعله القرامطة من أخذ الحجر الأسود وإبعاده عن البيت الحرام مدة 22 عاماً، فقد احتل أبو طاهر القرمطي مكة المكرمة ومدينة القطيف، ثم أخذ الحجر الأسود ووضعه في منطقة الجش في الأحساء، إلا أنه أعيد إلى البيت الحرام سنة ثلاثمائة وتسع وثلاثين.
ورد في السنة النبوية أن الحجر الأسود هو حجر من حجارة الجنة نزل مع آدم عليه السلام، لأنّه لمّا نزل من الجنة شعر بوحشة شديدة وشوق عارم لها، واشتدّ عليه ذلك كثيراً، حتى أنزل الله تعالى له الحجر الأسود يستأنس به ويخفف من وحشته للجنة، وقد كان لون الحجر أبيض صافياً إلا أنه اسودّ بذنوب العباد، كما قال صلى الله عليه وسلم: (نزلَ الحجرُ الأسوَدُ منَ الجنَّةِ وَهوَ أشدُّ بياضاً منَ اللَّبنِ، فسَوَّدَتهُ خطايا بَني آدمَ)، وقد قال صلى الله عليه وسلم في بيان خصوصية الحجر الأسود أنّه لولا ذنوب الجاهلية ورجسها لبرئ كل من مسّ الحجر الأسود وكان يشكو عاهةً ما، قال صلى الله عليه وسلم: (لولا ما مَسَّ الحجرَ مِنْ أنجاسِ الجاهلِيَةِ، ما مَسَّهُ ذُو عاهَةٍ إلَّا شُفِيَ)، وقد روى الأزرقي أنّ الحجر الأسود سيعود إلى الجنة في آخر الزمان.
وقد نُقِل أنّ الكعبة المشرّفة تعرّضت مرّةً لحريق أو سيل هدم أجزاء منها، فقرّرت قريش هدمها وإعادة بنائها بعد أن ترددت كثيراً خشية أن يصيبهم عذاب إن قاموا بذلك، وكان ذلك في فترة شباب الرسول صلى الله عليه وسلم وقبل بعثته، وفي أثناء بنائهم للكعبة وعندما حان وقت وضع الحجر الأسود في مكانه اختلفوا فيما بينهم في أيّ القبائل تحظى بشرف حمله ووضعه في مكانه، ثمّ اتفقوا على أن يُحكّموا أول من يمرّ عليهم من الناس، وشاء الله تعالى أن يكون أول من يمرّ بهم هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلمّا أخبروه بالخلاف الحاصل بينهم، أنهى خلافهم ذلك بطريقة حكيمة تدل على رجاحة عقله صلى الله عليه وسلم، حيث أشار عليهم أن يضعوا الحجر الأسود وسط ثوب، ثمّ أمر سيّد كل قبيلة أن يمسك طرفاً من أطراف الثوب ويرفعوه، ثمّ حمله هو عليه الصلاة والسلام عن الثوب، ووضعه في مكانه.
الحِكمة من تقبيل الحجر الأسود
دلّت الأحاديث والأدلة الواردة في السنة النبوية على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبّل الحجر الأسود، ومن ذلك ما رواه أبو الطفيل في صحيح مسلم حين قال: (رأيتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يطوفُ بالبيتِ، ويستلمُ الركنَ بمحجنٍ معَه، ويُقبِّلُ المحجنَ)، والحِكمة في تقبيل المسلمين له تتمثل في اتّباع الرسول صلى الله عليه وسلم في أفعاله، وفي التسليم لله تعالى وإظهار العبودية له، كما يُعدّ ذلك من تعظيم شعائر الله.
وفي الفرق بين الحجر الأسود الذي شُرِع للمسلمين تقبيله وبين تقبيل الأضرحة، أنّ تقبيل الحجر الأسود ممّا شرعه الرسول صلى الله عليه وسلم لأمّته بفعله له، أمّا تقبيل الأضرحة فإنّه يؤدي إلى الشِّرك بالله تعالى والمغالاة في تقديس الصالحين، وقد ورد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما يوضّح ذلك، فقد قبّل الحجر الأسود يوماً، ثم قال: (إنّي أعلَمُ أنك حجَرٌ، لا تضُرُّ ولا تنفَعُ، ولولا أنّي رأيتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُقَبِّلُك ما قبَّلتُك).