كيف ألقي عرض مميز أمام الجمهور؟
في مسح استطلاعي شهيـر أُجري على شريحة كبيـرة من الأشخاص بهدف تحديد أكثر الأمور التي تُثير رهبة الناس وخوفهم على الإطلاق، كان السؤال بسيطا: ما أكثر شيء تخافه في حياتك؟ ومن بين الإجابات المختلفة والمتنوّعة جاء “الخوف من الموت” في المرتبة الثانيـة بنسبة 19% فقط. أما أكثر شيء يخافه الناس في حيـاتهم، واحتل المركز الأول في الاستطلاع بنسبة 41% -بفرق واسع بينه وبين الموت- هو: الخوف من الحديث أمام الجمهـور.
أنت هنا في مأزق، فمع انتشار رهبة الحديث أمام الجمهور بشكل واسع كأبرز المخاوف على الإطلاق حاملا في طياته خليطا واسعا من المخاوف الدفينة مثل التعرض للسخرية أو التنمّر، من ناحيـة أخرى، سيتحتّم عليك غالبا أثناء مسيرتك الوظيفية إلقاء بعض العروض التقديمية أمام جمهور من الناس. لا يوجد شخص يعمل في أي مجال لم يمرّ بموقف اضطراري بإلقاء كلمة أو محاضرة أمام زملائه أو مديريه.
الأمر المريح هو أنه مثل أي شيء آخر، إلقاء عرض تقديمي جيد أمام جمهـور يعتمد بشكل أساسي على مجموعة من المبادئ التنظيمية التي يمكن التدريب عليها للوصول إلى مرحلة إلقاء عرض تقديمي رائع يجمع بين التشويق والإفادة. التدريب هو القاعدة الحاكمة هنا قبل الموهبـة.
ادرسهم جيدا قبل أن تتحدث
التحضير لإلقاء عرض تقديمي هو أهم خطـوة على الإطلاق، لأن مرحلة الإلقاء هي المرحلة الأخيرة التي تأتي بعد سلسلة طويلة من التحضيرات، سواء تحضيـرات في المحتوى الذي سوف تتحدث به، أو السياق أو الأمثلة أو حتى الطرائف التي تنوي أن تذكـرها أثناء إلقائك لعرضك التقديمي.
لكن أهم ما يجب أن تهتم به في فتـرة التحضيـر هو دراسة الجمهـور الذي ستتحدث إليه. من الضـروري للغاية أن تكون على علم كامل بنوعية العقـول التي تجلس للاستماع لك، وما تتوقعه منك بالضبط. تحديد الجمهـور وخلفيـاته وما يتوقعه منك هو أهم عامل على الإطلاق ينبني عليه عرضك التقديمي سواء في المعلومات أو نوعيتها أو هدف العرض نفسه.
هل العرض التقديمي سيكون موجّها للمدير التنفيذي للشركة برفقة مجموعة من أعضاء مجلس الإدارة؟ هل العرض التقديمي موجّه لزملائك في العمل؟ هل العرض التقديمي موجّه لمجموعة من المبتدئين والعوام؟ الإجابة عن هذا السؤال وتحديد الشريحة التي تخاطبها هي التي يقوم عليها عرضك التقديمي بالكامل من مقدمته إلى خاتمتـه.
ألقِ القنبلة في الدقائق الأولى
بمجرد أن تقف أمام الحضـور، وتتوجّه لك الأنظار في بداية عرضك التقديمي، تأكد تماما أن 100% من اهتمام الحضـور يكون معك أثناء الدقائق الأولى. إذا استطعت استغلال هذه الدقائق الأولى بأكبر كفاءة ممكنة، فأنت بدون شك قطعت نصف الطريق الذي يجعلهم يحكمـون أن عرضك التقديمي كان مميزا.
إذا كنت تريد أن تُلقي عرضا تقديميا مميزا، فالخطأ القاتل الذي ترتكبه هو أن تبدأه بالبداية المملة التقليدية نفسها: “أهلا بكم.. أنا اسمي كذا، وعنوان محاضـرتنا اليوم هو كذا، وسوف نتحدث عن المحاور الآتية. حسنا، مستعدون؟ فلنبدأ الآن”. هذه البداية المملة الرتيبة هي أكبر ضمـان ممكن لفقدان كل اهتمام الحضـور، وتبدأ العيــون المستغيثة تتوجّــه إلى الساعة المعلّقة على الجدار، في انتظـار أن ينتهي هذا العرض في أسرع وقت ممكن.
في الدقائق الأولى من عرضك التقديمي، وبمجرد أن تعرّف الحاضـرين باسمك، ابدأ مباشرة بإلقاء القنبلة. ابدأ بقصـة مثيرة لها صلة مباشرة بتفاصيل العرض الذي ستلقيه، أزمة معيـنة، اقتباس عظيم مُلهم لإحدى الشخصيات التاريخية، إحصائيات مثيرة لدهشة الحضـور، أو حتى بسؤال مثير للجدل. المهم أن تبدأ الدقائق الأولى من تقديمك بأكثر الأمور إثارة لانتباه جميع الحاضـرين، لكي تضمن أنك قمت بجذب عقولهم وانتباههم لك وتركيزهم معك بشكل كافٍ.
لا تنخدع بالـ “Power Point”
معظم العروض التقديمية التي تتم حاليا في أروقة الشركات أو المحاضرات العامة أو حتى التقديمات المتخصصة أمام المستثمرين والمديرين وغيرهم دائما ما يلجأ أصحابها إلى استخدام برنامج الباور بوينت. البرنامج بشكل عام يمثل نقلة كبيـرة بلا شك خصوصا في تنظيم الأفكـار وجعلها أكثر سيولة، وتساعد المتحدث في تنظيم أفكـاره وفقا للشرائح التي يعرضها على الشاشة.
ومع ذلك، بمرور الوقت تحوّل هذا البرنامج إلى عكس غرضه تماما. حيث تحوّل من أداة فعالة لتسهيل العروض التقديمية، إلى عنصر أساسي في تحويل العرض إلى حالة لا تُطاق من الملل والرتابة. الكثير من المتحدثين يعتمدون على شرائح الباور بوينت خلفهم في تقديم المعلومات، ومن ثم يتحوّلون دون علم منهم إلى مجرّد قرّاء لما يُعرض على الشاشة دون أدنى مشاعر أو حماسة أو حتى قدرة على توصيل المعنى بشكل جيد للحاضرين.
لذلك، أحد المتحدثين المخضـرمين اقتـرح قاعدة 10 – 20 – 30 للتعامل مع عروض الباور بوينت. القاعدة تقول إن العرض التقديمي كله لا يزيد على 10 شرائح للباور بوينت، ولا تزيد مدة استخدام الباور بوينت أكثر من 20 دقيقة، ولا يحتوي على كلمـات أو نصوص أكثر من 30 نقطـة. عشرُ شرائح لمدة لا تزيد على عشرين دقيقة بنقاط مكتوبة لا تزيد على ثلاثين نقطة.
أما تحويل العرض التقديمي إلى مأساة كاملة من الملل عبر قراءة نمطية لشرائح الباور بوينت؛ فهذا لا يؤدي إلى شيء سوى تململ الجالسين ورغبتهم في الانصراف، أو شرودهم الكامل بعيدا عن المحتوى الذي تقدمه. تذكّـر أن العرض التقديمي -مهما كانت أفكـارك ثورية ورائعة- يحتاج فقط إلى استعراض أهم النقاط في دقائق قليلة وكلمات محدودة للجالسين.
لغة جسدك أهم من كلماتك
ثمة دراسة تؤكد أنك عندما تتحدث مع شخص آخر أو جمهـور فإن 55% من وسائل التواصل الحقيقي معهم تتركز على لغـة جسدك. بمعنى آخر، إن حركاتك وأسلوبك وطريقة تفاعلك مع الحاضـرين يحمل لهم المعنى أكثر بكثير من الكلمـات التي تخرج من فمك.
أثناء الحديث أمام الحضـور، احرص أن يكون معدل الحديث متوسطا، لا تتحدث بسرعة تجعل من الصعب على المستمع أن يتابعك، ولا تتحدث ببطء تجعله يشعر بالملل والرتابة. أيضا من الضـروري أن تحرص على التمركز في مكـان يجعل رؤيتك سهـلة لكافة الحاضـرين من كافة الزوايا، ويمكن لهم أن يتابعوك أثناء حركتك. الحركة أثناء الحديث من أهم الأنشطة التي يجب أن تلتزم بها، لأن الوقوف الدائم سيسبب لك التوتر، بينما الحركة ستعمل على تفريغ التوتر طول فتـرة إلقاء التقديم. ومع ذلك، يجب أن تكون حركة هادئة ومدروسة ولا تبدو أنها حركة عصبية أو متوترة.
من وقت لآخر، كن حريصا على التقاء الأعين (Eye Contact) مع أكبر قدر من الحاضرين. حاول أن تمرر عينيك على أكبر قدر من الحاضرين خصوصا لو كان عددهم متاحا وفي إمكـانك أن تحدث هذا التلاقي ولو لمرة أو مرتين. أيضا الحرص على التغيير في نبـرة الصوت، ما بين نبـرة عالية مفعمة بالحماسة أثناء تغطيـة الأمور التي تتطلب حماسا، ونبـرة صوت هادئة أثناء تقليب الشرائح مثلا، أو الاستمـاع إلى أحد الاستفسارات.
ركّز على المهتمين.. تجاهل الأموات
أثناء إلقاء عرضك التقديمي، بشكل تلقائي تقوم عيناك بمسح الحاضرين ذهابا وإيابا لتحديد المتفاعلين معك وأثر كلمـاتك عليهم. هنا يبرز واحد من أكثر المواقف التي قد تؤثر في مسار عرضك التقديمي على الإطلاق، وهو تجاهل البعض الكامل لما تقوله، أو إظهـار مللهم أو سخريتهم أو حتى انشغالهم الكامل عن العرض.
في معظم الظروف، من الصعب أن يتم تنبيه الحاضرين بضـرورة الاستماع لك، لأنهم ليسوا طلبة أو تلاميذ في المدرسة الابتدائية. ولكن هذه الحالة قد تورثك شعورا فوريا بأن ما تقوله غير مهم وأنك تبذل جهدا غير مُقدّر من طرفهم، أو أن الموضوعات التي تطرحها لا تجذب اهتمامهم بالشكل الكافي. وبالتالي، يبدأ مستوى تركيزك في الانخفاض، يزداد مستوى التوتر ومن ثمّ يزداد مستوى الأخطاء والرغبـة في أن تُنهي العرض التقديمي في أسرع وقت، والفرار خارج الغرفة.
من الضـروري جدا أن تكون مستعدا لوجود هذه النماذج، وتجبر نفسك جبرا على إبعاد عينيك عنهم. إذا رصدت أن هناك من الجالسين من لا يهتم إطلاقا بما تقوله ويبدو عليه الملل، ابحث بعينيك عمن يستمع إليك بشكل جيد ووجّه له الحديث أكثر من غيره. بمعنى آخر، أبعد أي شعور سلبي يأتيك من الجمهـور، وركّـز على الشعور الإيجابي بالتركيز على المهتمين والمتفاعلين منهم.
كن ممتعا
نجاح عرضك التقديمي هو باختصار نجاحك في المحافظة على اهتمام وتفاعل الجمهـور لأكبر فترة ممكنة. إذا كان عرضك التقديمي مدته نصف ساعة، واستطعت أن تحافظ على اهتمام معظم الحاضرين لما تقوله لمدة 25 دقيقة مثلا، فهذا يعني أنك قمت بتقديم عرض ناجح بلا شك. بمعنى آخر، نجاحك وفشلك في المحاضرة لا يُقاس بمقدار المعلومات التي شاركتها، وإنمـا يُقاس باستمرارية متابعتك من الجالسين.
أثناء فترة العرض، اطرح علامات استفهـام بشكل مستمر ثم قدّم لها إجابات من خلال الشرح، أي لا تحافظ على وتيرة واحدة في العرض، وإنما قم بعرض الموضوع بأشكال وأنماط متنوعة ومختلفة. اطرح اقتباسا عجيبا، اطرح قصـة تخدم المعنى المطلوب. كن حريصا على أن يكون برنامج الباور بوينت يحتوي على شريحة بها رسمة طريفة. ألقِ طُرفة ذكيـة تُضحك الحاضرين من ناحية، وتوصّل المعنى الذي تريد أن توصله من ناحيـة أخرى.
التلخيص وفتح المجال للأسئلة
في نهاية العرض التقديمي يجب أن تقوم بتلخيص أهم النقاط التي جاءت فيه بشكل مركّز للغاية في عدة دقائق، تسلط الضوء على النتائج النهائيـة والنقاط التي من المهم أن يتذكـرها الحاضـرون من بين كافة التفاصيل التي جاء ذكـرها أثناء العرض. ومن المهم أيضا أن ينتهي العرض بجملة من 10 إلى 20 كلمة أيضا تعتبر هي الجملة الختـامية للعرض بشكل كامل، يجب أن تكون مكتوبة بعنـاية بشكل يجعلها تلتصق بالأذهان.
في النهايـة، بعض العروض التقديمية تسمح لك بهامش من الوقت لتلقّي الأسئلة من الحاضرين والإجابة عنها بشكل سريع ومركّز. أما في حالة لم يكن متاحا بالنسبة لك؛ فمن الضـروري التأكد من أن الجمل الختامية في العرض التقديمي مؤثرة وفاعلـة وأنك تُلقيها بنبــرة صحيحة ومؤثرة. لا بأس ببعض الأداء المسرحي في ختام العرض.
المصدر: الجزيرة