كيف تكشف نوايا محدثك ؟
اللعبـة صعبـة بلا شك، أنت تتواصل مع الآخرين طوال الوقت، وهؤلاء الآخرون عبارة عن عقول تخبّئ انطباعات عنك أنت لا تراها. أنت لا تعرف أن فلانا هذا يحبك أو يكرهك، ولا تعرف معنى الابتسامة الواسعة التي يقابلك بها علّان، هل هي ابتسامة صادقة أم هي ليوث الذئب بارزة ومن الحماقة أن تظنه يبتسمُ. أنت لا تعرف من يكذب ومن يصدق القول، لا تعرف من يكلمك بجدّية ومن يتظاهر بالجدّية.
يزداد الأمر صعوبة وتعقيدا عندما تخوض هذه اللعبـة في مقابلات العمل سواء كانت مقابلات للتوظيف أو اجتماعات مهنية، حيث يكون فضولك الأول أن تعرف ما يدور في الجانب المُظلم المخفي من عقل مُحدثك، قبل أن تعرف ما يُظهـره لك. ولحسن الحظ أن هذا ممكن. من الممكن أن تستشف استنتاجات دقيقة بخصوص انطباعات مُحدّثك بقراءة لغة جسده.
بحسب دراسات عديدة، منها دراسة شهيرة صدرت في السبعينيات للبروفسور ألبرت ميهرابيان، فإن 55% من إشارات التواصل تأتي من خلال لغة الجسد، و38% يأتي من نبـرة الصوت، بينما 7% فقط من إشارات التواصل تأتي من الكلمـات المستخدمة. بمعنى آخر، بعيدا عن الـ 7% المستخدمة في الكلمات، يمكنك قراءة ما يشعر به محدثك بالضبط إذا استطعت فك شفرة لغة جسده ونبرة صوته.
فرّق بين الابتسامة الحقيقية والمفتعلة
من أهم الأمور التي يجب أن تلاحظها عند مقابلة أي شخص هي قدرتك على تمييز معنى الابتسامة المرتسمة على وجهه. هل هي ابتسامة صادقة حقيقية نابعة من مشاعر خالصة بالاهتمام والسعادة في مقابلتك، أو على الأقل الحماسة لرؤيتك، أم أنها مجرد ابتسامة صفراء مزيّفة قد تخفي وراءها العديد من الانطباعات بدءا من عدم الحماس لمقابلتك، وليس انتهاء بتصوّرات سلبية سابقة تجاهك.
نظرة سريعة على صور الألبوم لعائلتك، ستعرف فورا أنه يضم عددا هائلا من الصور التي تضم ابتسامات سخيفة؛ لأن عينك قادرة على التقاط الابتسامات التلقائية الصحيحة وتمييزها من الابتسامات المفتعلة، حتى لو لم تكن قادرا على تحديد السبب بالضبط. حسنا، السبب دائما هو طرف العين، إذا كانت ابتسامة محدثك صادقة وحقيقية ستلاحظ تجاعيد تكوّنت حول العينين، في إشارة إلى تحرّك معظم عضلات وجهه بشكل لا إرادي ليعطيك ابتسامة حقيقية. أما إذا كانت ابتسامة مفتعلة، لن تجد أثرا لتلك التجاعيد حول العينين.
بمعنى آخر، إذا كان محدثك يحاول أن يظهر لك أنه سعيد برؤيتك وهو ليس كذلك فعلا، فسوف يمنحك ابتسامة غالبا لن تترك أثرا حول عينيه، هو فقط يأمر بعض عضلات وجهه في رسم ابتسامة مهما حاول أن يفتعل الصدق فيها لن ينجح غالبا.
إذا بالغ في رفع حاجبيه.. فاحذر قليلا
أثناء الحديث مع الطرف الآخر راقب مستوى حركة حاجبيه. إذا استمرت بالمعدل الثابت الطبيعي المعتاد، فالأمر يسير بشكل طبيعي، ولكن إذا لاحظت أن محدثك يقوم برفع حاجبيه بمعدل متزايد، فهذا -بعكس ما هو شائع- لا يعني الاندهاش فقط، وإنما قد يعني إلى حد كبيـر أنه لا يشعر بالراحة.
بحسب دراسة قامت بها جامعة ماساسوشيتس الأميركية، من المحتمل بدرجة كبيرة أن محدثك عندما يخبرك بشيء ما وهو رافعٌ حاجبيه، فهذا لا يعني دائما الدهشة أو الإعجاب، ربما يشعر بضيق يحاول إخفاءه برفع حاجبيه. بمعنى آخر، إذا كان محدثك يُثني على أناقة زيّك أو أناقة مظهـرك وهو يبالغ برفع حاجبيه، فهذا لا يعني أنه صادق معك. ربمـا يشعر بمشاعر أخرى مختلفة تماما، ربما الضيق أو الكذب أو عدم الراحة.
نبرة الصـوت المتغيّـرة علامة إيجابية
في الوقت الذي يفضّـل بعض الأشخاص أن يكون مستوى صوت محدثيهم على نمط واحد، فإن هذا التصور خاطئ تماما. في الواقع، إذا استمرت نبـرة صوت محدثك على المستوى نفسه فهذه علامة سلبية للغاية تدل على انطباعات غير مشجّعة من محدثك إليك، أبسطها إما عدم حماسه لاستمرار الحديث معك وإما عدم اهتمامه.
سواء كنت تعرف محدّثك أو لا، تجري مقابلة عمل أو مقابلة شخصية، تغير مستوى الصوت ارتفاعا وانخفاضا تعني اهتمام الطرف الآخر بما تقوله، أو على الأقل تعني اهتمامه بفتح النقاشات المختلفة معك. هذا التغير ليس ثابتا، فبعض الأشخاص يميل إلى تغيير صوته برفعه، والبعض الآخر يميل إلى تغيير نبرة صوته لتتلاءم مع نوعية الحديث سواء باستنكار أو سخرية أو دهشة بحسب إثارة الموضوعات المطـروحة من طرفك. المهم أن تغيّـر النبرة أثناء النقاش علامة جيدة على فعاليته.
إذا بدأ محدثك في تقليد حركاتك.. فهذه علامة جيدة
عندما تخوض حديثا مع أحدهم، وتقوم برشف بعض الرشفات من كوب القهوة أمامك ثم تلاحظ أنه قام بدوره برشف بعض الرشفات من كوبه، فهذه علامة إيجابية للغاية على تفاعله معك في الحديث. عندما تبدأ في تعديل جلستك، أو وضع ساق فوق ساق ثم تلاحظ أنه هو أيضا بدأ يتخذ الأفعال نفسها مقلدا لك أو متخذا أفعالا على السياق نفسه، فهي أيضا علامة ممتازة على التفاعل.
انعكاس الأفعال أثناء النقاش يشير فورا إلى أن المتحدثَين قد بدآ في التآلف مع بعضهما بعضا. في المعتاد، إذا كان محدّثك يشعر بالقلق أو عدم الرغبة في إكمال الحديث، فلن يتجاوب مع حركاتك بالمثل وسيظل متخذا الوضعية الجامدة نفسها الخاصة به في الحديث معك والتي غالبا ما تشير إلى أنه يبني حواجز نفسية في مواجهتك.
كقاعدة: نحن نعكس أفعال بعضنا بعضا ونقوم بتقليدها بدرجات متفاوتة عندما نشعـر بالتواصل مع الطرف الآخر، سواء كان هذا الطرف صديقا أو حبيبا أو مسؤول موارد بشرية في إحدى الشركات يقوم بعمل مقابلة شخصية معنا.
النظرة في العين.. إما علامة إيجابية وإما سلبية
من أساسيات أي نقاش ناجح هو التقاء الأعين معظم فترة الحديث لأنه مفتاح كاشف لمدى تقبل الآخر لكلماتك أو لحالته العامة أثناء النقاش. هذه قاعدة أساسية معروفة في فن الحديث مع أي شخص، سواء كان هذا الشخص قريبا أو صديقا أو مديرا أو شريكا. عندما تتحدث مع أي شخص من الضروري أن تلتقي عيناكما بنمط شبه ثابت أو على الأقل بنمط لا يشعر فيه محدثك أنك تتلافى النظر في عينيه بشكل يُشعـره بضعف شخصيتك أو عدم قدرتك على المواجهة.
ومع ذلك، التقاء النظـرات يعتمد أيضا على الظروف التي يدور فيها الحديث، حيث يدل -مثلا- التقاء النظرات بشكل ثابت مع شخص غريب على بعض الجرأة أو الوقاحة. النظرات الثابتة الطويلة مثلا مع السيدات في اللقاءات الأولى يجب أن يتخللها بعض الالتفاتات اللطيفة حتى لا تُترجم من الطرف الآخر باعتبارها وقاحة أو حالة مبدئية من التهجم.
بشكل عام، النظـرات يجب أن تكون مباشرة في الأعين ولكن بحسب الظروف والشخصيات، بحيث تكون عفوية لطيفة بعيدة عن التكلف أو التهديد من ناحية، أو محاصـرة محدثك بنظرات طويلة غير مريحة له من ناحية أخرى. التوسط بين النظرات المباشرة في الأعين والالتفاتات الخفيفة واختيار اللحظات المناسبة للنظر إليه يدل على كفاءتك وكفاءة مُحدثك أيضا بخصوص فن الحوار، وثبات كليكما بشكل صحيح على المستوى الشخصي.
النظرة القصيرة المترددة قد تكشف عن شخصية متوترة، النظـرة الطويلة الثابتة قد تُعطي إحساسا بالوقاحة وأحيانا الكذب، الالتفاتات المتكررة تكشف ضعفا في الشخصية. باختصار، التوازن في لغة العيـون هو أهم ملمح في النقاشات المباشرة.
اهتزاز الأطراف.. مفتاح على اهتزاز مُحدّثك
من الصعب أحيانا ملاحظة اهتزاز أطراف محدثك، ولكن يمكنك الشعور بها. إذا صافحته ووجدت أن يده تهتز، فهذا دليل على انفعال كبيـر من طرفه، قد يكون انفعالا إيجابيا أو سلبيا. قد يكون هذا الانفعال بسبب الإثارة الكبيرة لرؤيتك، أو قد يكون انفعالا ينم عن اضطـراب أو قلق أو خوف أو توتر شديد بداخله أثناء اللقاء.
علامة أخرى من أهم علامات توتر محدّثك هو اهتزاز الأرجل، وهي عادة معـروفة للأشخاص العصابيين الذين يميلون من وقت إلى آخر إلى هز أرجلهم بشكل دوري حتى لو بدا عليهم أنهم يتحدثون بشكل عادي وتلقائي بعيد عن الانفعال. بحسب دراسة نفسية أُجريت في جامعة ماساشوسيتس تؤكد أن الأرجل باعتبارها العضو الأكبر في الجسد من الصعب رصد اهتزازها، ولكن عندما تبدأ في التحرك بشكل واضح فغالبا ما تنم عن توتـر وانفعال زائد بحسب الموقف.
الضحـك.. العلامة الكبـرى على لغة جسد إيجابية
بمجرد أن تبدأ في الحديث مع محدثك، وترى أنه يضحـك بشكل حقيقي وواقعي وبعيد عن الافتعال، فهذه العلامة هي العلامة العظمى بالنسبة لك أن محدثك يتحدث معك بأريحية ممتازة، وأنك تخوض معه نقاشا يمكن وصفه بالجيد. كلما زاد معدل الضحكات، فهذا يعني أن محدثك ارتاح للحديث معك، سواء كان صديقا أو زميلا أو موظفا يُجري معك مقابلة شخصية.
دائما استهدف اللحظة التي تُلقي فيها دعابات جيدة وراقب رد فعل محدثك، بمجرد شعـورك أنه يتجاوب مع دعاباتك بضحكات حقيقية فهذه إشارة على التوافق والتواصل الفعّال. بحسب علماء النفس التطوريين، تعد الضحكات بالنسبة للبشر هي وسيلة اتصال ناجحة تطورت بشكل مستمر كوسيلة لإظهار التودد والتوافق مع الطرف الآخر، سواء كان هذا الطرف حبيبة أو صديقا أو حتى غريبا يجلس جوارك في الحافلة أو الحديقة.
الأطراف المتشابكة ليست علامة إيجابية
بعكس الشائع، الأطراف المتشابكة لفترات طويلة وبشكل ملحوظ دلالة سلبية أن مُحدثك يتخذ منهجا دفاعيا في الحديث، وعلامة سيئة أثناء التفاوض. إذا كان محدثك طوال الوقت يجلس واضعا ساقا فوق ساق، أو يحدثك وهو مشتبك الأذرع، فربما هي علامة مهمـة بالنسبة إليك أن تزيد من التودد له وفتح مساحات جديدة من النقاش تجعله أكثر هدوءا وانفتاحا وأقل دفاعية.
في كتابهما “كيف تقرأ الاشخاص مثل الكتاب” (How To Read Person Like A Book) ذكـر كل من جيرارد نيرينبيرغ وهنري كاليرو أنه من بين 2000 جلسة تفاوض مسجّلة لم يتحقق اتفاق واحد عندما كان أحد المفاوضين يجلس واضعا ساقا فوق ساق. هذه النتيجة المدهشة دفعت العديد من الأبحاث النفسية المتخصصة في دراسة لغة الجسد إلى الميل إلى أن وضع الساق فوق الساق ليس علامة إيجابية، وأنها إشارة إلى أن محدثك في حالة إغلاق نفسي وعاطفي، وبالتالي من الصعب الوصول إلى اتفاقات أثناء النقاش سواء في تفاوض أو مقابلة عمل.
الأمر نفسه ينطبق على تشابك الأذرع، فهي علامة على أن المتحدث يتخذ طابعا دفاعيا خصوصا لو أعقب نوعية معينة من الحديث الذي قد لا يقبله. وفي الحالتين، عند ملاحظتك أن محدثك يشبك أطرافه، من الضـروري جدا مراعاة المتغيرات الحادثة في مكان اللقاء قبل اتخاذ قرار أن محدثك لا يشعر بالراحة في الحديث، حيث من الممكن وضع احتمال أن المقاعد نفسها غير مريحة فتضـطره لوضع ساق فوق ساق، أو أن مسندي المقعد غير مريحين فيقوم من وقت لآخر بشبك ذراعيه معا.