متى فرضت الزكاة؟
تحتلُّ الزكاة مرتبةً خاصة في الإسلام؛ إذ إنّها الفريضة المالية الوحيدة في الإسلام، فقد حَوَت جميع الجوانب الروحانية كالصلاة والصيام والحج، والأعمال القولية كقراءة القرآن والذكر، والأعمال البدنية كالصلاة والحج كذلك، والعلاقات الدولية كالعهود والمواثيق والسِّلم والحرب وأحكام المستأمنين وغير ذلك من الأحكام المتعلقة بالسياسة الشرعية، وقد مثَّلت الزكاة بشكلٍ رئيس الأمور المالية، لذلك اعتنى بها الشارع الحكيم عناية خاصة وأولاها أهمية ومكانةً متميزة، فمتى فُرِضَت الزكاة؟ وما هي أحكامها؟ وعلى من تجب ومتى تجب؟
معنى الزكاة لغة واصطلاحاً
ليس للزكاة في اللغة معنى واحد، بل إنّ معاني الزكاة في اللغة تتعدّد بحسب المُراد منها، وجميع معانيها تعود إلى الأصل زَكا يزكو أو زكو، وجمعها زَكَواتٌ، ومن معاني الزكاة العديدة في اللغة ما يلي:
الزَّكاةُ بمعنى البَرَكة والنَّماءُ، يُقال زكا الزرع أي نما.
الزَّكاةُ بمعنى الطَّهارة، زكا أي طَهُر، وزَكاةُ النَّفْسِ: طَهارَتُها أو نَقاوَتُها وصَفاؤُها.
الزَّكاةُ بمعنى: الصَّلاح، يقال فلان زكي أي صالح.
الزَّكاةُ: الأفضل والصفوةُ من الشيءِ.
الزَّكاةُ في الاصطلاح الفقهي: حِصّةٌ مقدَّرةٌ من المال يجب بذلها شرعاً على أصحاب الأموال تُعطى للفقراءِ ونحوهم وفق شروط وقواعد خاصة، أو هي: (أداء حقٍ يجب في أموالٍ مخصوصة على وجهٍ مخصوص ويعتبر في وجوبه الحول والنصاب)، والزكاة من الألفاظ ذات الدلالات المتعددة في الاصطلاح الشرعي أيضاً؛ حيث إنّها تُطلَق على نفس المال المخرج من مال المزكّي، فيُقال: عزل زكاة ماله أي أخرجها من المال، والساعي يقبض الزكاة، أما المزكي: فهو من يُخرِج الزّكاة عن ماله، كما تُطلَق الزكاة على الصدقة كذلك الواجب منها وغير الواجب.
متى فرضت الزكاة
تُعتبر الزكاة من أوائل الفرائض التي شرّعها الله وألزم بها عباده؛ حيثُ كانت فرضيتها في شهر شوال من السنة الثانية للهجرة، وقد فُرضت في المدينة المنورة، وأعقبت من حيث توقيت الفرضية فرض صيام شهر رمضان وزكاة الفطر؛ إلّا أنّ الزكاة لا تجب على الأنبياء بإجماع العلماء؛ حيث إنها طُهرة للمرء ممّا ارتكب من الذنوب والآثام، ولا يرد ذلك على الأنبياء؛ حيث إنّهم مبرؤون من كلِّ ذلك، ولأنّ ما في أيدي الأنبياء إنما هو ودائع لله، فلا ملك لهم، كما أنهم لا يُورَثون أيضاً، وقد قُرنت فرضية الزكاة بالصلاة في مواضع عديدة من كتاب الله، بلغ عددها اثنين وثمانين موضعاً، وذلك دليلٌ واضحٌ على العلاقة والتكامل بين الصلاة والزكاة.
أما دليل مشروعية ووجوب الزكاة فأساسه القرآن الكريم وسنة رسوله صلّى الله عليه وسلم، كما أنَّ الأمة أجمعت على وجوبها،[٣] أما دليل ذلك من كتاب الله فقوله تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ)،[٤] وقوله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ)،[٥] وغير ذلك العديد من الآيات الواردة في كتاب الله، أما دليل مشروعية الزكاة من السنة؛ فقول النبي صلّى الله عليه وسلم: (بُنِي الإسلامُ على خمسٍ: شَهادةِ أن لا إلهَ إلا اللهُ وأنَّ محمدًا رسولُ اللهِ، وإقامِ الصلاةِ، وإيتاءِ الزكاةِ، والحجِّ، وصومِ رمضانَ)،[٦] كما أنّ النبي صلّى الله عليه وسلم لما بعث معاذاً – رضي الله عنه – إلى اليمن، قال له: (إنك تأتي قومًا من أهلِ الكتابِ، فادعُهم إلى شهادةِ أن لا إلهَ إلا اللهُ وأنِّي رسولُ اللهِ، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمْهم أن اللهَ افترض عليهم خمسَ صلواتٍ في كلِّ يومٍ وليلةٍ، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن اللهَ افترض عليهم صدقةً تُؤخَذُ من أغنيائِهم فتُرَدُّ على فقرائِهم، فإن هم أطاعوا لذلك فإياك وكرائمَ أموالِهم، واتّقِ دعوةَ المظلومِ، فإنها ليس بينَها وبينَ اللهِ حجابٌ).
كما أنَّ المسلمين قد أجمعوا في جميع العصور من لدن عهد الصحابة وحتى هذا اليوم على وجوب الزكاة، وقد اتّفق الصحابة رضوان الله عنهم أجمعين على وجوب قتال من يمنع الزكاة؛ حيث إن منكر فرضيتها كافرٌ مرتدٌ عن الإسلام ما دام يعرف بفرضيتها، وهو في مكان يصله معرفة ذلك من خلال العلماء والدعاة، فيُستتاب منكر الزكاة ثلاثة أيام فإن تاب وإلا وجب قتله حداً، أما من أنكر وجوب الزكاة جاهلاً بذلك لحداثة إسلامه، أو لعدم وجود من ينقل إليه خبر وجوبها كأن يكون ممن يعيش في الصحاري، فإنّه يُعرَّف بحكمها وأنها واجبةٌ عليه بالكتاب والسنة، ولا يُعتبر كافراً لأنّه معذور.
شروط وجوب الزكاة
للزكاة مجموعة من الشروط التي ينبغي توافرها في المزكِّي حتى تكون عليه واجبة، فإن انتفى أحد تلك الشروط لم تجب الزكاة ولم يكن مَن خلا منه أحد هذه الشروط من أهلها، وتفصيلها على النحو التالي:
الإسلام: فإن الزكاة لا تجب على كافرٍ ولا تؤخذ منه وإن أدّاها لا تُقبَل منه، ويستوي بذلك إن كان كافراً لم يسبق له الإسلام أو كان مسلماً ثم ارتدّ عن الإسلام؛ لأن الزكاة من أركان الإسلام وفروعه.
الحرية: فلا تجب الزكاة على عبدٍ مملوك؛ لأنّه لا يملك أمر نفسه وماله لسيده إن كان يملك مالاً، كما لا تجب الزكاة على مُكاتِب؛ لأنه في الحقيقة عبدٌ اشترى نفسه ما دام لم يكمل ما لسيده من ثمن المُكاتبة، فيكون ملكه قبل ذلك غير تام ويُعامل معاملة العبد؛ وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (المُكاتِبُ عبدٌ، ما بقِيَ عليهِ من مُكاتبتِهِ درهمٌ).
النصاب: فلا تجب الزكاة على مسلمٍ إلا إن كان يملك النصاب المُحدّد للزكاة، فإذا بلغ ماله نصاباً اعتُبِرَ ممّن تجب عليهم الزكاة في حال توفر بقية شروط الزكاة، ويختلف نصاب الزكاة باختلاف جنس المال المُزكّى.
استقرار الملك: فيجب على من ملك نصاب الزكاة أن يستقرَّ ملكه فيما يملك، فلا يتعلق به حقٌ لغيره من الناس بحيث يكون جائزاً له التصرف فيه.
حولان الحول في غير المُعَشَّر: فلا تجب الزكاة في مالٍ مهما بلغ مقداره حتى يحول عليه الحول في ملك المُزكي، والحول هو تمام اثني عشر شهراً من حين تملُّكه للنصاب، ويُشترط حَوَلان الحول في ثلاثة أصنافٍ من أموال الزكاة هي: السائمة من البهائم، والأثمان كالذهب والفضة وغيرهما، وعُروض التجارة.
مصارف الزكاة
للزكاة عدة مصارف يتمُّ توزيع الزكاة عليها، وقد ورد بيانها في كتاب الله في أكثر من آية، أما تفصيلها فكما يلي:
الفقراء: وهم من ليس لهم مال له ولا كسب، أو كان ماله لا يصل إلى نصف ما يكفيه ومن يعول ممن تجب عليه نفقتهم، دون إسرافٍ ولا تقتير.
المساكين: وهم من لهم مال يبلغ أو يزيد عن نصف كفايتهم ومن يُعيلون؛ إلّا أنّ ذلك المال لا يؤمِّن كفايتهم التامة.
العاملون عليها: هم من يسعون إلى جمع وأخذ الزكاة ممّن تجب عليهم الزكاة من الأغنياء.
المؤلفة قلوبهم: هو السيد الذي له في عشيرته احترامٌ وطاعة، فيعطى من مال الزكاة رجاء إسلامه، أو كفّاً لشره عن المسلمين.
في الرقاب: وهم العبيد المكاتبون من المسلمين، والمُكاتِب هو من اشترى نفسه من سيده مقابل ثمنٍ مؤجل يؤديه له مقسطاً.
الغارمون: والغارم هو المدين العاجز عن سداد ديونه.
في سبيل الله: ويعني ذلك الإنفاق في ما له علاقةٌ بنصرة دين الله؛ من خلال قتال أعدائه أو بغير ذلك.
ابن السبيل: وهو المسافر الغريب الذي انقطعت به السُّبل في سفره وبَعُد عن أهله وماله، ولم يكن له مالٌ يرجع به إلى بلده.